سورة الزخرف - تفسير تفسير ابن جزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الزخرف)


        


{قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (24) فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (25)}
{قال أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بأهدى مِمَّا وَجَدتُّمْ عَلَيْهِ آبَآءَكُمْ} هذا رد على الذين اتبعوا آباءهم، والمعنى قل لهم أتتبعونهم ولو جئتكم بدين أهدى من الدين الذي وجدتم عليه آباءكم، وقرئ {قال أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ} والفاعل ضمير يعود على النذير المتقدم، وأما قراءة {قال} بالأمر فهو خطاب لمحمد صلى الله عليه وسلم، أمره الله أن يقول ذلك لقريش وقيل: هو للنذير المتقدم، أمره الله أن يقول ذلك لقومه، والأول أظهر، وعلى هذا تكون هذه الجملة اعتراضاً بين قصة المتقدمين، فإنه قوله: {قالوا إِنَّا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ}: حكاية عن الكفار المتقدمين، وكذلك قوله: {فانتقمنا مِنْهُمْ}: يعني من المتقدمين.


{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ (26) إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ (27) وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (28) بَلْ مَتَّعْتُ هَؤُلَاءِ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى جَاءَهُمُ الْحَقُّ وَرَسُولٌ مُبِينٌ (29)}
{إِنَّنِي بَرَآءٌ} أي بريء وبراء في الأصل مصدر ثم استعمل صفة، ولذلك استوى فيها الواحد والجماعة كَعَدْل وشبهه {إِلاَّ الذي فَطَرَنِي} يحتمل أن يكون استثناء منقطعاً، وذلك إن كانوا لا يعبدون الله، أو يكون متصلاً إن كانوا يعبدون الله ويعبدون معه غيره، وإعرابه على هذا بدل {مِّمَّا تَعْبُدُونَ} فهو في موضع خفض، أو منصوب على الاستثناء فهو في موضع نصب {سَيَهْدِينِ} قال هنا: سيهدين، وقال مرة أخرى: فهو يهدين، ليدل على أن الهداية في الحال والاستقبال من الله {وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ} ضمير الفاعل في جعلها يعود على إبراهيم عليه السلام، وقيل على الله تعالى، والأول أظهر، والضمير يعود على الكلمة التي قالها وهي: {إِنَّنِي بَرَآءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ}، ومعناه: التوحيد ولذلك قيل: يعود على الإسلام لقوله: {هُوَ سَمَّاكُمُ المسلمين مِن قَبْلُ} [الحج: 78]، وقيل: يعود على {لاَ إله إِلاَّ الله} [الصافات: 35]، والمعنى متقارب: أي جعل إبراهيم تلك الكلمة ثابتة في ذريته؛ لعل من أشرك منهم يرجع إلى التوحيد، والعقب هو الولد وولد الولد ما تناسلا أبداً {بَلْ مَتَّعْتُ هؤلاء وَآبَآءَهُمْ} الإشارة بهؤلاء إلى قريش، وهذا الكلام متصل بما قبله، لأن قريشاً من عقب إبراهيم عليه السلام، فالمعنى لكن هؤلاء ليسوا ممن بقيت الكلمة فيهم، بل متعتهم بالنعم والعافية، فلم يشكروا عليها واشتغلوا بها عن عبادة الله {حتى جَآءَهُمُ الحق وَرَسُولٌ مُّبِينٌ} وهو محمد صلى الله عليه وسلم.


{وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (31) أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (32)}
{وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ هذا القرآن على رَجُلٍ مِّنَ القريتين عَظِيمٍ} الضمير في قالوا لقريش، والقريتان مكة والطائف، ومن القريتين: معناها من إحدى القريتين، كقولك: يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان: أي من أحدهما، وقيل: معناه {على رَجُلٍ} من رجلين من القريتين، فالرجل الذي من مكة الوليد بن المغيرة، وقيل: عتبة بن ربيعة، والرجل الذي من الطائف عروة بن مسعود، وقيل حبيب بن عمير، ومعنى الآية أن قريشاً استبعدوا نزول القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم، واقترحوا أن ينزل على أحد هؤلاء، وصفوه بالعظمة يريدون الرئاسة في قومه وكثرة ماله، فردّ الله عليهم بقوله: {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ} يعني أن الله يخص بالنبوّة من يشاء من عباده؛ على ما تقتضيه حكمته وإرادته، وليس ذلك بتدبير المخلوقين، ولا بإرادتهم، ثم أوضح ذلك بقوله: {نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَّعِيشَتَهُمْ فِي الحياة الدنيا} أي كما قسمنا المعايش في الدنيا كذلك قسمنا المواهب الدينية، وإذا كنا لم نهمل الحظوظ الفانية الحقيرة، فأولى وأحرى أن لا نهمل الحظوظ الشريفة الباقية {لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً} وهو من التسخير في الخدمة: أي رفعنا بعضهم فوق بعض ليخدم بعضهم بعضاً {وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} هذا تحقير للدنيا، والمراد برحمة ربك هنا النبوة وقيل: الجنة.

2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9